مستقبل الديموقراطية في منطقة شرقي المتوسّط بين العنف و التوافق

 

 

 

 

شارك رئیس مؤسسة التنوع الثقافي والتنمية المستدامة من أجل السلام، الدکتور حسن فرطوسي، بدعوة من قبل المعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان لتقديم ورقة في الندوة الفكرية بعنوان ”مستقبل الديمقراطية شرقي المتوسط ” بمشاركة نخبة من المفكرين والباحثين والحقوقيين في جنيف (22ـ23 سبتمبر 2018).

عنوان الورقة التي قدمت هي ”مستقبل الديموقراطية في منطقة شرقي المتوسّط بين العنف و التوافق”.

ويليكم نص الخطاب:

مستقبل الديموقراطية في منطقة شرقي المتوسّط

بين العنف و  التوافق

نعیش اليوم في وقت تسود فيه الانقسامات و المخاطر و التهديد و الحيرة في كافة أرجاء المنطقة التي عانت كثيراً من الإضطرابات و تواجه مشاكلَ ضخمة، منها انتشار رقعة العنف و مناطق النزاع و الجماعات الإرهابية و الاضطرابات الطائفية والمذهبية و التطرف و الكراهية؛ كما تعاني من استمرار عوائق التنمية و استقرار الأمن و مشاركة الشعوب في تقرير المصير و فشل الأنظمة و أزمة الحوكمة و الكفائة، بحيث أصبحت ضعيفة أكثر من أيّ وقت مضى،أمام كل هذه التحديات و صارت ساحة مفتوحة للتصادمات السياسية والإيديولوجية و مرتعاً للمواجهات الإقليمية والدولية.

و في الجانب الإقليمي نُشاهد تنافساً و صراعاً بين دول المنطقة حول ما تراه مصالحها القومية أو تهديدا لأمنِهِا الوطني، تتحكم فيه المخاوف و السيناريوهات الإحترازية، كما تسيطر هذه الذهنية بشكلٍ شبه مُطلق على خِطابَها الإعلامي.

و السئوال الرئيسي المطروح في الورقة هذه:

هل الديموقراطية في وضع مأساوي كهذا الذي نعيشه، لاتزال خياراً قائماً و مشروعاً قابل للتحقق؟

الإطار النظري

دراسات التنمية و الإقتصاد السياسي تَرى بأن مُعظم بلدان العالم تُعاني من أنظمة حُكم يمكن وصفها بالأوليغارشية (Oligarchy)أو حُكم الأقلية، حيث تَخضع لحكم قطاعٍ ضيقٍ من النُخبة الذين يُنظمون هيكل المجتمع بطريقة تتلائم مع مَصالحهم الشخصية على حساب أغلبية الشعب. و تشير الدراسات الى حالة تطابق كبيرة بين الفقر و بين هيمنة هذه النخبة الأقلية على مصادر القوة السياسية و الثروات؛ كما أن هنالك انطباقا واسعا بين تحقق الإزدهار و مستوى غنى البلد و بين فرص تقرير المصير من قبل الشعب و التوزيع الأوسع لمصادر القوة و الثروة.

الإنتقال من الأوليغارشية ليس إنتقالاً سلساً أو مضمون النتايج، و النجاح فيه مرهون بالوعى التاريخي و مدى إطلاع المجتمع و المثقفين فيه، عن قواعد هذه اللعبة.

لرسم الصورة بشكل أدق يجب التوضيح أن حسب هذا المنظور تتقسم الأنظمة الإجتماعية الى مجموعتين:

1.الأنظمة المفتوحة                                             و                                                          2. الأنظمة المقّيدة

الأنظمة المفتوحةتتميّز هذه الأنظمة على المستوى السياسي بسيادة قواعد غير تمييزية في شأن تأسيس أو إنضمام أي مواطن إلى أي تنظيم سياسي. إضافة إلى ذلك تتميّز بسيطرة الحكومة المدنية على جميع التنظيمات التي تمتلك القدرة على العنف.و على المستوى الاقتصادي تتميّز بسيادة المؤسسات الاقتصادية للقطاع الخاص دون استنادها علی الحکومات، وانتشار قواعدا تسمح للمواطن بتأسيس مؤسّسة اقتصادية، والحصول على الدعم القانوني من الحكومة من دون أىّ تمييز.

بالمقابل هنالك النظام المقيّد، الذي يمكن وصفه بأنه نظام إجتماعي قائم على هيمنة تحالف من النخب الحاكمة المتمثّلة في القادة السياسيّين، العسكريين، الدينيّين و التعليميّين على جميع مصادر القوة و الثروة في المجتمع من خلال خلق و توزيع مختلف أنواع الريع بينها، مقابل امتناعها من اللجوء الى العنف.

 

بناء على هذا يقسّم نورث و زملاءه الأنظمة المقيّدة إلى ثلاثة أنواع كالتالي:

2.1. الأنظمة المقيّدة الهشة:

لاتجد فيها تمييز واضح بين المؤسسات الاقتصادية و المؤسسات السياسية، أو تمييز صريح بين ما هو مدني وما هو عسكري؛ الهياكل المؤسساتية في هذه الأنظمة بسيطة و هشة و علی الأغلب مرتبطة بشكل رسمي بالتحالف المهيمن. من الصعب منع العنف فيها

2.2.الأنظمة المقيّدة الأساسية(الطبيعية):

ترتبط فيها جميع المؤسسات الاقتصادية العامة أو “الخاصة” بالتحالف المهيمن، أو في بعض الأحيان مرتبطة بالشركات المتعدّدة الجنسيات؛ تخضع معظم المؤسسات السياسية الى سيطرة الدولة (في الغالب خاضعة لسيطرة الحزب الواحد، أو لنظام دكتاتوري)؛ الأحزاب المعارضة تبقى مهددة دائما؛ تتجسّد الحكومة في مجموعة من المؤسسات الرسمية المستقرة (خلافا للأنظمة المقيّدة الهشة)؛ القدرة على العنف فيها موزّعة بين المنظّمات الحكومية (مثل الشرطة، والقوات المسلحة، والمخابرات).

2.3. الأنظمة المقيّدة الناضجة:

على المستوى السياسي توجد فيها مؤسّسات سياسية متعدّدة، لكنها تعتمد على اعتراف السلطة المركزية وتصريحها. تسيطر الحكومة على معظم التنظيمات التي تمتلك القدرة على العنف.على المستوى الاقتصادي تتميّز بتواجد العديد من الشركات الخاصة، وبعض الشركات متعدّدة الجنسيات، غير أنّ فرص الدخول محدودة و تحتاج علاقات واتصالات سياسية.

 

شروط الانتقال إلى النظام المفتوح

الأنظمة المقيّدة غيرجامدة، لذلك من الممكن أن تشهد تقدّما من نظام مقيّد هشّ إلى نظام مقيّد أساسي، أو من نظام مقيّد أساسي إلى نظام مقيّد ناضج.

يمكن الانتقال من النظام المقيّد الناضج فقط إلى النظام المفتوح ولكن ذلك يتطلّب ثلاثة شروط أساسية هي:

  1. سيادة القانون فيما بين النُخَب.
  2. تقديم الدعم للمنظّمات و المؤسسات النخبوية بشكل غيرمرهون بالعلاقات السياسية أو الشخصية للمؤسسين هذه التنظيمات.
  3. السيطرة السياسية المنظّمة على المنظّمات التي تملك القدرة على العنف، بما فيها قوّات الجيش والشرطة.

 

التطبيق على المنطقة

هنا يمكننا الرجوع الى السئوال الرئیسی و الإجابة عليه بإيجاب و لکن مشترط. حيث النتيجة مرهونة بكيفية أداء أيّ مجتمع و تعامله مع الوضع و كذلك القوام المؤسساتي لذلك المجتمع و فهم النخب وقوى التغيير فيه عن المرحلة و مدي فهمهم عن طبيعة الأليغارشية أو التحالف القائم.

حسب هذه الرؤية مهما نضج المجتمع المدني في بلدان شرق الأوسط و إستقوى أكثر، يمكنه أن يحدد القوى الحاكمة و الإليغارشية السياسية في إطار القوانين بشكل أكبر. و علينا أن لاننسى ما سبق ذكره بأن الشكل(Form)لوحده لن يستطيع إحداث تغيير حقيقى أو نقلة نوعية في وضع البلدان.مضمون التغيير الصحیح هو  الخضوع لإرادة الشعب.

و بهذا يصبح مصير الديموقراطية علی مستويات ثلاث:

  1. فرض توافق و موازنة بين مختلف القوى المتفوقة في التحالف المهيمن ضمن الأليغارشية الحاكمة في الأنظمة المقيدة لمنع استخدام العنف و إستقرار الأمن.
  2. التوافق بين مختلف القوى الإجتماعية لتأمين المصلحة الکبری في المستوى الشخصي و النفع العام عن طريق التعاون الجمعي المُنَسَق عبر التنظيم في مؤسسات المجتمع المدني و الإقتصاد و السياسة.
  3. التوافق بين النخب الإجتماعية و المثقفين على مستوى المنطقة لترسيم أفق للعيش المشترك من خلال حلول و برامج إقليمية لحل النزاع و الحوار لتقديم بديل للشعوب عن صورة الكراهية و الإنقسام التي تروجها الأنظمةفي سبيل تسويق مشاريعها.

في نهاية المطاف و من هذا المنظور يجب التأكيد مجدداً على مكانة و أهمية حقوق الإنسان كإطار عمل مشترك بيننا للحد من العنف في كافة مستوياته –یُشمل کل من الأنظمة الحکم أو الناشطین السیاسیین أو المواطنین-،و إرتقاء مكانة الإنسان في بلدان المنطقة التي تعتبر من أثرى مناطق العالم من حيث الطاقاتِ البشرية الشبابية التي تتطلع الى مستقبل مشرق و بتنمیة مستدامة تأخذ جانب العدل و الإستقلال بعین الإعتبار و سلام تستحقه هذه الشعوب و الأوطان.